التغيير
إذا أردنا أن نتعرف على معنى التغيير دون الدخول في فلسفات كثيرة يمكننا أن نقول أنه كما أن الفرخ يخرج من البيضة ويتحول من طور إلى آخر فإن الإنسان كذلك يمر في حياته بمراحل يتغير فيها، هناك مراحل شبه إجبارية على كل إنسان، يكون جنيناً ثم يصبح مولوداً، ثم يصير شاباً ....الخ، والسؤال هنا هل بالضرورة أن يرتبط التغيير بهذه المراحل ؟
بعض الناس لا يتغيرون إلا إذ صار لهم شيء أو حدثت لهم مصيبة أو بلغوا عمراً معينا، أذكر أني في دورة من الدورات نصحت إحدى الأخوات ببعض النصائح فقالت: اسمع يا دكتور لن أتغير إلا عندما يصبح عمري أربعين سنة. فقلت لها: لماذا؟ هل تضمني أن يصل عمرك أربعين سنة، الإنسان لا يضمن عمره، ثم لماذا تؤجلين إذا كنت مقتنعة أن هناك شيء خطأ في حياتك، ولـمَ تنتظرين هذا الانتظار.. أعود إلى التغيير لنتعرف على معناه فأقول: التغيير: عملية تحول من واقع نحن نعيش فيه إلى حالة منشودة .
نحن اليوم نعيش في واقع معين وهذا الواقع نحن نحيا فيه بمستوى معين، وهنا ينبغي لكل راغب في ممارسة عملية تغيير أن يخضع لتشخيص حاله وذلك من خلال إجابته على أسئلة أربعة توجه إليه على النحو التالي : -
1-هل أنت سعيد ؟
سؤال بسيط لكنه خلاصة ما نحن بصدده بل ما هو بصدده وجود الإنسان ذاته .
وهو سؤال لا نريد الإجابة عليه بل كل إنسان يحتفظ بالإجابة عليه لنفسه كما أننا لا نريد الانشغال بالمظهر الخارجي، أي أن الإنسان يكون شكله جميل، وينبسط ويبتسم، ولا يهم كذلك أن يكون هناك أناس يحترمونكم ويقدرونكم، وكم لكم من مكانة في المجتمعات، وأن يكون هناك أناس تحرص على راحتكم وتنشد رضاكم، ولكن حينما تصير لوحدك وليس أحد معك إلا الله سبحانه وتعالى وتطالع في قرارة نفسك .
هل أنت سعيد ؟
2- هل أنت راض عما وصلت إليه ؟
على اعتبار أنك قد وصلت إلى مستوى معين في مختلف جوانب الحياة، وصلت إلى مستوى معين في إيمانك وعلاقتك بالله عز وجل، في عبادتك، في علاقتك مع أهلك، في إنجازاتك وعطاءاتك، وصلت إلى وظيفة معينة، إلى منصب معين، إلى مشاريع معينة حققتها في حياتك، هذا إن كان الإنسان حقق مشاريع في حياته، بعض الناس- فقط – موظف ما فعل شيء يستحق الذكر في الحياة، إن سئل ما هي إنجازاتك؟ ما الذي قدمته للبشرية ؟ أجاب كنت موظفاً عادياً. فهل أنت راض عن المستوى الذي وصلت إليه.
3- هل يمكن أن تكون أفضل ؟
هل يمكن أن تكون أفضل في كل ما سبق أم أن هذا هو أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه ؟ والمسألة هنا واضحة جداً إذ أن كل إنسان بالتأكيد يستطيع أن يصل إلى مستوى أفضل ، أفضل في علاقته مع ربه ، وأفضل في علاقته مع نفسه ، أفضل في علاقته مع أهله ، مع الناس ، أفضل في إنجازاته وعطاءاته ، في كل مجال يستطيع الإنسان أن يكون أفضل .
1 . التغيير في المبادئ والقيم :
إن أول وأهم جانب من الجوانب التي يمكن للإنسان أن يحدث فيها تغييراً، التغيير في المبادئ والقيم، سبحان الله ! كلما عشت أكثر وتأملت في الإنتاج البشري وفي واقع الحضارات والعلوم والفلسفات تجد في النهاية كل شيء يرجع إلى الفكر، كل أمور الحياة يحكمها الفكر، مبادئ قيم ينطلق منها البشر وتوجه حياتهم وانتاجاتهم، بعض الناس يسميها حضارة، تقدم، فكر، فلسفة... سمّها ما شئت فهي في النهاية مجموعة قيم ومبادئ تتحكم فينا وإن كنا نتبناها نحن باختيارنا، " كل مولود يولد على الفطرة "، لو ترك الإنسان بلا مؤثرات لعاش على منهج رب العالمين، " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ".
يبدأ زرع القيم ويبدأ التغيير منذ الطفولة، بل في الست سنوات الأولى من عمر الإنسان، ومن هنا يأتي الخلل الجسيم في أن تعامل مرحلة رياض الأطفال على أنها مرحلة لعب ليس إلا، مع إنها مرحلة زراعة قيم وأفكار ومبادئ تحكم علاقات الإنسان وطريقة إنتاجه، وعادة ما تبدأ زراعة هذه القيم والمبادئ في نفس الإنسان من قبل مؤثرات خارجية لا سيما من الأبوين لما لهما من تأثير غير عادي في هذا الشأن[url=https://elmahba.ahlamountada.com/ada99:تغيير النفس.htm#_ftn3](3)[/url]، ثم يكبر الإنسان ويبدأ في النضوج ويبدأ يفكر باستقلال عن هذه المؤثرات الخارجية ويبدأ يختار قيم جديدة يختارها من تأثره بأصحابه، من خلال أفلام أو مسلسلات يراها، من خلال علاقات، تبدأ مؤثرات خارجية جديدة تأتيه لتزرع فيه قيم ونظرات للحياة جديدة، وهنا تأتي المجتمعات بطريقة تركيبتها فتزرع في الإنسان قيم معينة، هناك مجتمعات تزرع في نفوس أبنائها قيمة الوقت والضن به، وهناك مجتمعات للأسف مثل مجتمعاتنا العربية اليوم تزرع في الأجيال قيمة عدم الاكتراث بالوقت بل الناظر لمجتمعاتنا يجد فيها مجموعة قيم في منتهى السوء منتشرة بين الناس ومتجسدة في الأمثال وبالخصوص الأمثال الشعبية، من هذه القيم على سبيل المثال " شوف وغمض " يعني انظر إلى الخطأ والمنكر واسكت، يا سبحان الله لماذا ؟ قيمة ثانية تقول " مد رجليك على قد لحافك " لماذا أنام منطوي؟ ماداً أرجلي على قدر لحافي، لـَم لا أمد لحافي على قدر أرجلي ؟، قيمة ثالثة تقول " القناعة كنز لا يفنى " لماذا القناعة ؟ لمَ لا يكون الطموح، وعلى الرغم من سوء هذه القيم وغيرها الكثير فإن السواد من الناس يأخذها كمسلمات وقيم مقبولة.
وعليه فإننا نحتاج إلى أن نعيد النظر في الكثير من هذه القيم وذلك بان يبدأ كل إنسان يفكر بطريقة تختلف عمن حوله، يبدأ يتبنى القيم الصحيحة، فلا يأخذ كل ما يأتيه من أبويه، أو ممن حوله، أو من الإعلام، أو المفكرين أو الأدباء، مسلَّم به، كلا لماذا أنت مُسلم ؟ لماذا أنت مُسلَمة ؟ . هذا سؤال ليس مرفوض في الشرع، نحن عندنا –سبحان الله - شرع الله عز وجل قوته في منطقه، قوة ديننا في قوة منطقه الذي يحمله ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، أبداً قوة غير عادية، ولذلك فنحن على استعداد لمناقشة أي قضية حتى بما فيها قضية التوحيد، هل الله موجود أم لا ؟ لا مانع عندنا من مناقشة هذا السؤال أو هذه القضية، هل لله ولد أم لا ؟ [ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين] هكذا يقول القرآن إذاً هناك قيمة غير عادية اسمها قيمة العقل والمنطق، ليس هناك تسليم، لا لشيخ ولا لحزب ولا لجماعة ولا لحركة ولا لأب ولا لأم لا أسلَّم إلا بالدليل والبرهان والمنطق هذه قيمة يجب أن نزرعها في نفوس أبنائنا، قيمة جديدة وللأسف الشديد نحن تعودنا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية باسم احترام الكبار، وباسم احترام الشيوخ أن نسلَّم، وأن تسلم يعني تقلد، وديننا جاء لرفض التقليد الأعمى [ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون ] قضية أساسية ينكرها القرآن ، لقد عمل القرآن الكريم من يوم جاء على نسف المبادئ والقيم التي قامت عليها حياة الجاهلية ، وجاء بقيم جديدة ، ولما جاء بقيم جديدة صنع حضارة ، ومن هنا كان التغيير الذي يحدث في المبادئ والقيم أعظم وأكبر تغيير وذلك لكونه يحكم كل التغييرات الأخرى .
2. التغيير في السلوك :
علاقتنا بالآخرين محكومة بشكل كبير وغير عادي بالقيم والمبادئ التي نتبناها، ولمزيد من الإيضاح والبيان لهذا الأمر نأخذ هذا المثال :
رجل يملك مؤسسة ولديه موظفين يحرص على أن يبتسم لهم ويضاحكهم بهدف ماذا؟
كثير من الناس لما يعمل هذا فإنما يعمله بهدف مص دمائهم وعصرهم حتى يبذلوا جهداً أكبر يزيد من كمية الإنتاج لمؤسسته ثم يركلهم ، لماذا ؟
لأن هناك مبدأ خطأ، وهنا صار لزاماً علينا أن نعيد النظر في قضية السلوك والعلاقات فسلوك الإنسان نابع من قراراته وقراراته نابعة من قيمه، وعليه كان باستطاعة أي شخص أن يتغير، فليس هناك سلوك مفروض علينا فالرجل الذي يغضب هو الذي قرر أن يغضب، والطالب الكسول هو الذي قرر أن يكون كسولاً، ومرة أخرى نحن لا نستطيع أن نغير الناس، أنا لا أستطيع أن أحيل الطالب الكسول نشيطاً، وإنما بإمكاني أن أوجد له مناخ وبيئة للتغيير، لكن تبقى مفاتيح التغيير بيد الإنسان ويبقى التغيير الحق هو ذلك التغيير النابع من داخل النفس الإنسانية .
3. التغيير في أساليب الإدارة:
كيف أدير نفسي ؟ كيف أدير بيتي؟ كيف أدير عملي ؟ وهنا أقول يستطيع الإنسان أن يدير بالأوامر ويستطيع أن يدير بالأخلاق، أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، يخدم عنده صلى الله عليه وسلم ما سأله لم فعلت كذا ولم لم تفعل كذا فأي أسلوب في التعامل هذا وأي أسلوب في الإدارة والقيادة ينبع من قيم أخلاقية.
.